في ظل معطيات عالمية استثنائية ... النفط الى أين؟
جمال أبوعلي - تعدّ التقلبات المستمرة والتغيرات المتجددة سمة ملازمة لسوق النفط العالمي، ولا سيما في السنوات الاخيرة التي شهدت بروز عوامل مستجدة غير مسبوقة، مثل وباء كورونا وانعكاساته على الاقتصاد العالمي، والتقدم التكنولوجي المتسارع في مجالات اكتشاف وتوليد واستخدام الطاقة بأنواعها المختلفة، ومن مصادر وموارد متنوعة، بالاضافة الى التطورات والتحديات الجيوسياسية والعسكرية المهمة في أجزاء مختلفة من العالم.
غير أن احد أبرز المستجدات المؤثرة التي باتت مؤخرا تؤثر على مشهد سوق النفط العالمي وتسهم بصورة متزايدة في تشكيل مستقبله وتحديد توجهاته تتعلق بالتحول الكبير الذي شهدته مؤخرا عوامل العرض والطلب، والتغير اللافت في مشهد اللاعبين الرئيسيين في هذه المعادلة، معادلة التوازن بين العرض والطلب على النفط، حيث تنامى دور الأعضاء من خارج منظمة أوبك بلس (OPEC Plus) بصورة كبيرة، وهو ما سيتناوله هذا التحليل بمزيد من التفصيل.
وتشير أحدث الاحصاءات التي تضمنها تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر قبل بضعة ايام الى ان التعافي المأمول لمعدلات الطلب على النفط بعد وباء كورونا قد بدأ في الاستقرار، مع وجود مؤشرات الى أن الطلب قد بدأ يأخذ منحى متباطأ بصورة ملحوظة، حيث تشير الارقام الى ان معدل النمو في الطلب خلال الربع الاول من هذا العام بلغ 1.6 مليون برميل/يوم، وهو معدل يقل بمقدار 120 ألف برميل/يوم عن معدل النمو في الطلب خلال الفترة التي سبقت، أي في الربع الاخير من 2023. ويعود ذلك الانخفاض في النمو بسبب رئيس الى تراجع الطلب على النفط في دول منظمةالتعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي تضم 37 دولة لديها اكبر اقتصادات العالم. ومع قرب استنفاذ زخم التعافي من وباء كورونا، والانتشار المتزايد والمتسارع للمركبات الكهربائية في العالم، يتوقع أن يشهد معدل نمو الطلب العالمي على النفط مزيدا من التراجع خلال العام الحالي ليصل الى 1.2 مليون برميل/يوم، مع ترجع أكبر خلال العام القادم 2025 الى 1.1 مليون برميل/يوم.
من جهة اخرى، ومع تراجع النمو في الطلب، يسجل المعروض النفطي منحى معاكسا، حيث يشهد زيادة مستمرة بفضل الاعضاء من خارج منظمة أوبك بلس (OPEC Plus) وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية الذين كان لهم الدور الأكبر في رفع توقعات نمو المعروض النفطي الكلي لهذا العام بمقدار 770 مليون برميل/ يوم ليصل الى نحو 103 مليون برميل/ يوم. واللافت أن الدول من خارج منظمة أوبك بلس مسؤولة عن زيادة متوقعة في الانتاج الكلي لهذا العام بمقدار 1.4 مليون برميل/ يوم، في حين على العكس من ذلك، يتوقع ان تستمر دول أعضاء أوبك بلس بالتخفيض الطوعي لانتاجها بمقدار 820 ألف برميل/ يوم. وفي المحصلة، فان مجمل الزيادة المتوقعة في المعروض النفطي في 2025 تصل الى 1.6 مليون برميل/ يوم، تسهم الدول الاعضاء في أوبك بلس بنحو 200 ألف برميل فقط منها، في حين تستأثر الدول خارج المنظمة بالحصة الاكبر التي تصل الى 1.4 مليون برميل.
وبالرغم من هذا الاختلال الملحوظ في ميزان العرض والطلب على النفط، والفجوة الكبيرة التي يسببها زيادة المعروض النفطي مقارنة بمعدلات الطلب، شهدت أسعار النفط منحى تصاعديا في الشهرين الماضيين مارس وابريل، حيث لامست عقود نفط برنت المستقبلية حاجز 90 دولارا للبرميل، وذلك بسبب التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بما فيها الصراع المحتدم في منطقة الشرق الاوسط، والخشية من التطورات التي قد تهدد الامدادات النفطية من المنطقة، وحادثة الاعتداء بالمسيرات الاوكرانية على مصاف النفط الروسية، واستمرار أعضاء منظمة أوبك بلس في تثبيت التخفيضات الطوعية في الانتاج حتى شهر يوينو القادم.
وخلاصة القول، فان استشراف مستقبل سوق النفط خلال المرحلة المقبلة يتطلب الموازنة بين كثيرمن العوامل والمؤثرات، حيث ان معطيات الطلب عل النفط شهدت حتى وقت قريب تحفيزا كبيرا نتيجة موجه تعافي الاقتصادات من التباطؤ الذي شهدته خلال فترة كورونا، غير أن هذا الزخم قد قارب على النفاذ جراء عوامل متعددة منها التطور التكنولوجي المضطرد المتعلق بكفاءة استخدام الطاقة في مختلف المجالات، والانتشار المتزايد للمركبات ووسائل النقل الكهربائية. والتوسع المضطرد في المعروض النفطي من جهة الدول غير الاعضاء في مجموعة أوبك بلس.
وبالمقابل، تسهم التوترات الجيوسياسية في تعميق مشاعر القلق بشأن استقرار الامدادات في سوق النفط، وزيادة الغموض حول الاتجاه الذي ستسلكه السوق، وبالتالي أسعار الخام الأسود على المديين القريب والمتوسط، على الاقل.